المشاركات الشائعة

الاثنين، 23 فبراير 2015

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم 

 اللّهُمَّ صلِّ علَى
سيِّدَةِ النِّساءِ الصِّدِّيقَةِ الزَّهراءِ 

فاطِمةَ وأبِيها وبَعلِها وبَنِيها 

والسِّرِّ المُستودَعِ فِيهاوعجِّلْ فَرَجَهُم ، 
 والْعَنْ عَدُوَّهُمآمِينَ رَبَّنا .. آمِين 


.. الخُطبةُ الفَدَكِيّة ..

     لَمَّا انقلبَ المُنقلِبُونَ - بعدَ استشهادِ النّبيِّ الخاتَمِ الأحمد صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه ؛ لَمَّا انقلبُوا علَى أعقابِهِم في سَقيفةِ بني ساعدة ..
      ولَمَّا أجْمعَ أبُو بكرٍ علَى منعِ فاطمةَ عليها السَّلامُ فَدَكًا - وبلغها ذلكَ ؛ لاثَت خِمارَها علَى رأسِها ، واشْتملَت بِجِلبابِها ، وأقبلَت فِي لُمَّةٍ مِن حفَدَتِها ونِساءِ قَومِها ، تطَأُ ذُيُولَها ، ما تخرِمُ مِشيَتُها مِشيةَ رسُولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه .. حتَّى دخلَت علَى أبي بكرٍ وهو في حشدٍ المُهاجرِينَ والأنصارِ وغيرِهِم ، فنِيطَت دُونَها مُلاءَةٌ فجلسَت .. ثُمَّ أنَّت أنّةً أجهشَ القومُ لها بالبُكاء ، فارتجَّ المجلِس ؛ ثُمَّ أمهلَت هُنَيّةً ..
      حتَّى إذا سكنَ نشيجُ القومِ وهدأَت فَورتُهُمُ ؛ افتتحَتِ الكلامَ بحمدِ اللهِ والثَّناءِ عليه ، والصَّلاةِ علَى رسُولِ الله ، فعادَ القومُ فِي بُكائهِم ؛ فلَمَّا أمسكُوا عادَت فِي كلامِها ..
       

          فقالَت عليها صلواتُ المُصَلِّين :
       
((الحمدُ لِلهِ علَى ما أنعَم ، ولهُ الشُّكْرُ علَى ما ألهَم ، والثَّناءُ بِما قدَّم -
مِنْ عُمُومِ نِعَمٍ ابْتَداها ، وسُبُوغِ آلاءٍ أسداها ، وتَمامِ مِنَنٍ والاها ..
جَمَّ عنِ الإحصاءِ عَدَدُها ، ونأَى عنِ الجَزاءِ أمَدُها ، وتفاوَتَ عنِ الإدراكِ أبَدُها ..
ونَدَبَهُم لِاستِزادَتِها بِالشُّكرِ لِاتِّصالِها ،
واستحمدَ إلَى الخَلائقِ بِإجزالِها ، وثَنَى بِالنَّدْبِ إلَى أمثالِها ..
وأشهَدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللهُ
وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَه ؛
كَلِمَةٌ -
جَعَلَ الإخلاصَ تأوِيلَها ، وضَمَّنَ القُلُوبَ مَوصُولَها ،
وأنارَ فِي الفِكرِ مَعقُولَها ..
المُمتَنِعِ مِنَ الأبْصارِ رُؤيَتُه ، ومِنَ الألسُنِ صِفَتُه ، ومِنَ الأوهامِ كَيفِيَّتُه ..
ابْتدَعَ الأشياءَ لا مِن شَيْءٍ كانَ قَبْلَها ، وأنشَأها بِلا احتِذاءِ أمثِلَةٍ امْتثَلَها ..
كَوَّنَها بِقُدرَتِه ، وذَرَأها بِمَشِيَّتِه ؛
مِنْ غَيرِ حاجَةٍ مِنهُ إلَى تكوِينِها ، ولا فائدَةٍ لهُ فِي تصوِيرِها ..
إلّا تثبِيتًا لِحِكمَتِه ، وتنبِيهًا علَى طاعَتِه ، وإظهارًا لِقُدرَتِه ،
وتعبُّدًا لِبَرِيَّتِه ، وإعزازًا لِدَعوَتِه ..
ثُمَّ جعلَ الثَّوابَ علَى طاعَتِه ، ووَضَعَ العِقابَ علَى مَعصِيَتِه -
ذِيادَةً لِعِبادِهِ عنْ نَقِمَتِه ، وحِياشَةً مِنهُ إلَى جَنَّتِه ..
وأَشهَدُ أنَّ أبِي مُحمَّدًا صَلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ -
عَبْدُهُ ورَسُولُه ..
اختارَهُ وانتجَبَهُ قبْلَ أنْ أرسَلَه ،
وسَمّاهُ قبْلَ أنِ اجتبَلَه ، واصطفاهُ قبْلَ أنِ ابْتعَثَه ؛
إذِ الخَلائقُ بِالغَيبِ مكنُونَةٌ ، وبِسِترِ الأهاوِيلِ مَصُونَة ، وبِنِهايَةِ العَدَمِ مقرُونَة -
عِلمًا مِنَ اللهِ تعالَى بِمائلِ الأُمُور ، وإحاطَةً بِحَوادِثِ الدُّهُور ، ومَعرِفَةً بِمَواقِعِ المَقدُور ..
ابْتعثَهُ اللهُ تعالَى إتمامًا لِأمْرِه ، وعزِيمَةً علَى إمضاءِ حُكمِه ، وإنفاذًا لِمَقادِيرِ حَتْمِه ..
فرَأَى الأُمَمَ فِرَقًا فِي أدْيانِها ، عُكَّفًا علَى نِيرانِها ، عابِدَةً لِأوثانِها ، مُنكِرَةً لِلهِ معَ عِرفانِها ..
فأنارَ اللهُ بِمُحمَّدٍ صَلَّى اللهُ علَيهِ وآلِهِ ظُلَمَها ،
وكشَفَ عنِ القُلُوبِ بُهَمَها ، وجَلَّى عنِ الأبْصارِ غُمَمَها ،
وقامَ فِي النّاسِ بِالهِداية ، وأنقذَهُم مِنَ الغَوايَة ، وبصَّرَهُم مِنَ العَمايَة ،
وهَداهُم إلَى الدِّينِ القَوِيم ، ودَعاهُم إلَى الطَّرِيقِ المُستَقِيم ...
ثُمَّ قَبَضَهُ اللهُ إلَيهِ قَبْضَ رَأفَةٍ واختِيار ، ورَغبَةٍ وإيثار ؛
فمُحمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليهِ وآلِه :
عنْ تَعَبِ هذهِ الدّارِ فِي راحَة -
قد حُفَّ بِالمَلائكَةِ الأبْرار ، ورِضْوانِ الرَّبِّ الغَفّار ، ومُجاوَرَةِ المَلِكِ الجَبّار ..
صَلَّى اللهُ علَى أبِي نَبِيِّهِ وأمِينِهِ علَى الوَحْي ، وصَفِيِّهِ وخِيَرَتِهِ مِنَ الخَلقِ ورَضِيِّه ..
والسَّلامُ علَيهِ ورَحمةُ اللهِ وبَرَكاتُه)) ..

        ثُمَّ الْتفَتَتْ عليها السَّلامُ إلَى أهلِ المجلِسِ .. وقالت :

((أنتُم عِبادَ اللهِ ؛ نُصْبُ أمرِهِ ونَهيِه ، وحَمَلَةُ دِينِهِ ووَحْيِه ، وأُمَناءُ اللهِ علَى أنفُسِكُم ، وبُلَغاؤُهُ إلَى الأمَم ..
وزعِيمُ حَقٍّ لهُ فِيكُم ، وعَهدٌ قَدَّمَهُ إليكُم ، وبَقِيَّةٌ اسْتَخلَفَها عليكُم -
كِتابُ اللهِ النّاطِقُ ، والقُرآنُ الصّادِق ،
والنُّورُ السّاطِعُ ، والضِّياءُ اللّامِع ..
بَيِّنَةٌ بصائرُه ، مُنكشِفَةٌ سرائرُه ، مُتجَلِّيَةٌ ظواهِرُه ،
مُغتَبِطَةٌ بِهِ أشياعُه ، قائدٌ إلَى الرِّضْوانِ اتِّباعُه ،
مُؤَدٍّ إلَى النَّجاةِ إسماعُه ،
بِهِ تُنالُ حُجَجُ اللهِ المُنوَّرَةُ ، وعَزائمُهُ المُفسَّرَةُ ،
ومَحارِمُهُ المُحذَّرَة ،
وبَيِّناتُهُ الجالِيَة ، وبَراهِينُهُ الكافِيَة ،
وفضائلُهُ المَندُوبَة ، ورُخَصُهُ المَوهُوبَةُ ، وشرائعُهُ المَكتُوبَة ..
         فجَعَلَ اللهُ :
                     . الإيمانَ تطهِيرًا لكُمْ مِنَ الشِّرْك ،
                     . والصَّلاةَ تنزِيهًا لكُمْ عنِ الكِبْر ،
                     . والزَّكاةَ تزكِيَةً لِلنَّفْسِ ونَماءً فِي الرِّزْق ،
                     . والصِّيامَ تثبِيتًا لِلإخلاص ،
                     . والحَجَّ تشيِيدًا لِلدِّين ،
                     . والعَدْلَ تنسِيقًا لِلقُلُوب ،
                     . وطاعَتَنا نِظامًا لِلمِلَّةِ،وإمامتَنا أمانًا مِنَ الفُرْقَة ،
                     . والجِهادَ عِزًّا لِلإسلام ،
                     . والصَّبْرَ مَعُونَةً علَى استِيجابِ الأجْر ،
                     . والأمْرَ بِالمَعرُوفِ مَصلَحةً لِلعامّة ،
                     . وبِرَّ الوالِدَينِ وِقايَةً مِنَ السَّخَط ،
                     . وصِلَةَ الأرحامِ مَنْماةً لِلعَدَد ،
                     . والقِصاصَ حِصْنًا لِلدِّماء ،
                     . والوَفاءَ بِالنَّذْرِ تَعْرِيضًا لِلمَغفِرَة ،
                     . وتَوفِيَةَ المَكايِيلِ والمَوازِينِ تَغْيِيرًا لِلبَخْس ،
                     . والنَّهْيَ عنْ شُرْبِ الخَمْرِ تَنزِيهًا عنِ الرِّجْس ،
                     . واجْتِنابَ القَذْفِ حِجابًا عنِ اللَّعنَة ،
                     . وتَرْكَ السَّرِقَةِ إيجابًا لِلعِفَّة ،
                     . وحَرَّمَ اللهُ الشِّرْكَ إخلاصًا لهُ بِالرُّبُوبِيَّة ..
          فـ{اتّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِه ولا تَمُوتُنَّ إلّا وأنتُم مُسلِمُون}،
                 وأطِيعُوا اللهَ فِيما أمَرَكُم بِهِ ونهاكُم عنه ؛
              فإنّهُ : {إنّما يَخشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ العُلَماء})) ..
       
         ثُمَّ قالتْ عليها صلَواتُ المُصَلِّين :

                  ((أيُّها النّاسُ ..
اعلَمُوا أنِّي فاطِمَة ،
وأبِي مُحمَّدٌ صَلَّى اللهُ علَيهِ وآلِه ..
أقُولُ عَودًا وبَدْءا ؛
ولا أقُولُ ما أقُولُ غَلَطًا ، ولا أفعَلُ ما أفعَلُ شَطَطا ..
{لقد جاءَكُم رسُولٌ مِنْ أنفُسِكُم عزِيزٌ عليهِ ما عَنِتُّم حرِيصٌ عليكُم بالمُؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رحيم} ..
فإنْ تَعْزُوهُ وتَعْرِفُوهُ -
تَجِدُوهُ أبِي دُونَ نِسائكُم ، وأخَا ابْنِ عَمِّي دُونَ رِجالِكُم ..
ولَنِعْمَ المَعزِيُّ إليهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه ؛
فبلَّغَ الرِّسالَة -
صادِعًا بِالنِّذارَة ، مائلًا عن مَدْرَجَةِ المُشرِكِين ،
ضارِبًا ثَبَجَهُم ، آخِذًا بِأكظامِهِم ،
داعِيًا إلَى سَبِيلِ رَبِّهِ بِالحِكمَةِ والمَوعِظَةِ الحَسَنَة ،
يَكْسِرُ الأصنامَ ويَنكُتُ الهام ؛
حَتَّى انهزمَ الجَمْعُ ووَلَّوُاالدُّبُر ..
حتَّى تَفَرَّى اللَّيلُ عن صُبْحِه ، وأسفَرَ الحَقُّ عن مَحْضِه ،
ونَطَقَ زعِيمُ الدِّين .. وخَرِسَتْ شَقاشِقُ الشَّياطِين ،
وطاحَ وَشِيظُ النِّفاق ، وانحلَّت عُقَدُ الكُفرِ والشِّقاق ،
وفُهْتُم بِكَلِمَةِ الإخلاص .. فِي نَفَرٍ مِنَ البِيضِ الخِماص ..
وكُنتُم علَى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّار -
مُذْقَةَ الشَّارِب ، ونُهْزَةَ الطّامِع ، وقُبْسَةَ العَجْلانِ ومَوطِئَ الأقدام ..
تشرَبُونَ الطَّرْقَ ، وتقتاتُونَ الوَرَقَ - أذِلَّةً خاسِئِين ،
{تخافُونَ أنْ يَتخَطَّفَكُمُ النّاسُ} مِنْ حَولِكُم ..
فأنقَذَكُمُ اللهُ تباركَ وتعالَى بِمُحمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وآلِه ؛
بعدَ اللَّتَيّا والَّتِي ..
وبعدَ أنْ مُنِيَ بِبُهَمِ الرِّجال وذُؤبانِ العَرَب ، ومَرَدَةِ أهْلِ الكِتاب ؛
{كُلَّما أوقَدُوا نارًا لِلحَرْبِ أطفَأها الله} ،
أو نجَمَ قَرْنٌ لِلشَّيطان ، وفَغَرَتْ فاغِرَةٌ مِنَ المُشرِكِين ؛
قَذَفَ أخاهُ فِي لَهَواتِها ..
فلا يَنكَفِئُ حتَّى يَطَأَ صِماخَها بِأخمَصِه ، ويُخْمِدَ لَهَبَها بِسَيفِه -
مَكْدُودًا فِي ذاتِ الله ، مُجْتَهِدًا فِي أمْرِ الله ،
قَرِيبًا مِنْ رَسُولِ الله ، سَيِّدَ أولِياءِ الله ،
مُشَمِّرًا ناصِحا .. مُجِدًّا كادِحا ؛
وأنتُمْ فِي رَفاهِيَةٍ مِنَ العَيش - وادِعُونَ فاكِهُونَ آمِنُون ،
تَترَبَّصُونَ بِنا الدَّوائرَ وتَتوَكَّفُونَ الأخبار ،
وتَنكُصُونَ عِندَ النِّزال ، وتَفِرُّونَ عِندَ القِتال ..
فلَمّا اختارَ اللهُ لِنَبِيِّهِ دارَ أنبِيائِه ومَأوَى أصفِيائِه ؛
ظهَرَ فِيكُم حَسِيكَةُ النِّفاق ،
وسَمَلَ جِلبابُ الدِّين ، ونطَقَ كاظِمُ الغاوِين ، ونبَغَ خامِلُ الأقَلِّين ،
وهَدَرَ فَنِيقُ المُبْطِلِين ..
فخَطَرَ فِي عَرَصاتِكُم .. وأطلَعَ الشَّيطانُ رَأسَهُ مِنْ مَغْرِزِه -
هاتِفًا بِكُم ؛
فألْفاكُمْ لِدَعْوَتِهِ مُستَجِيبِين ، ولِلغِرَّةِ فِيهِ مُلاحِظِين ..
ثُمَّ استنهَضَكُم فوَجَدَكُمْ خِفافا ،وأحْمَشَكُمْ فألْفاكُمْ غِضابا ؛
فوَسَمْتُم غَيرَ إبِلِكُم  وأورَدْتُم غَيرَ شِرْبِكُم ..
هذا .. والعهدُ قريب ، والكَلْمُ رَحِيب ،
والجُرْحُ لَمّا يَندَمِلْ ، والرَّسُولُ لمّا يُقْبَرْ ،
ابْتِدارًا زَعَمْتُمْ خَوفَ الفِتْنَة !
{ألا فِي الفِتْنَةِ سَقَطُوا وإنّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالكافِرِين} ..
فهَيْهاتَ مِنكُم .. وكيفَ بِكُمْ ، وأنَّى تُؤفَكُون ؟!
وكِتابُ اللهِ بَينَ أظهُرِكُم ..
أُمُورُهُ ظاهِرَة ، وأحكامُهُ زاهِرَة ، وأعلامُهُ باهِرَة ،
وزواجِرُهُ لائحَة ، وأوامِرُهُ واضِحَة ؛
قد خلَّفتُمُوهُ وراءَ ظُهُورِكُم ..
أرغبةً عنهُ تُرِيدُون ، أم بِغَيرِهِ تحكُمُون ؟!
{بِئسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلا} ..
{ومَنْ يَبْتَغِ غَيرَ الإسلامِ دِينًا فلَنْ يُقْبَلَ مِنْه
وهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرِين} ..
ثُمَّ لم تلبَثُوا إلّا رَيْثَ أنْ تسكُنَ نَفْرَتُها ، ويَسْلَسَ قِيادُها ؛
ثُمَّ أخذْتُم تُورُونَ  وَقْدَتَها ، وتُهَيِّجُونَ جَمْرَتَها ،
وتستجِيبُونَ لِهِتافِ الشَّيطانِ الغَوِيّ ، وإطفاءِ أنوارِ الدِّينِ الجَلِيّ ، وإهمادِ سُنَنِ النَّبِيِّ الصَّفِيّ ..
تُسِرُّونَ حَسْوًا فِي ارْتِغاء ، وتَمْشُونَ لِأهلِهِ ووَلَدِهِ فِي الخَمَرِ والضَّرّاء ؛
ونَصبِرُ مِنكُم علَى مِثْلِ حَزِّ المُدَى ، ووَخْزِ السِّنانِ فِي الحَشا ..
وأنتُم تزعُمُونَ ألّا إرْثَ لنا !
{أفَحُكْمَ الجاهلِيَّةِ [تبْغُون] ومَنْ أحسنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَومٍ يُوقِنُون 50}/المائدة ..
أفلا تعلمُون ؟ بَلَى تجلَّى لكُم كالشَّمسِ الضّاحيةِ أنِّي ابْنتُه ..
أيُّها المُسلِمُون .. أؤُغلَبُ علَى إرْثِيَه ؟!
يا ابْنَ أبِي قُحافةَ أفِي كِتابِ اللهِ - أنْ تَرِثَ أباكَ ولا أرِثَ أبِي ؟! لقد جِئتَ شيئًا فَرِيّا ؛
أفعلَى عَمْدٍ تركتُم كِتابَ الله ، ونبذْتُمُوهُ وراءَ ظُهُورِكُم ؟!
إذْ يقُول : {وورِثَ سُليمانُ داوُد} ،
وقال فيما اقْتَصَّ مِنْ خَبَرِ يحيَى بْنِ زكريّا عليهِما السَّلام -
إذْ قال : {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنكَ ولِيًّا يَرِثُنِي ويَرِثُ مِنْ آلِ يعقُوب}،
وقال : {وأُولُوا الأرحامِ بعضُهُم أولَى بِبَعضٍ فِي كِتابِ الله} ،
وقال : {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أولادِكُم لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْن} ،
وقال : {إنْ ترَكَ خيرًا الوصِيَّةُ لِلوالِدَينِ والأقرَبِينَ بالمعرُوف حَقًا علَى المُتَّقِين} ..
وزعمتُم ألّا حُظْوَةَ لِي ، ولا إرْثَ مِنْ أبِي ولا رَحِمَ بَيْنَنا !
أفخَصَّكُمُ اللهُ بِآيةٍ أخرَجَ مِنها أبِي ؟
أم تقُولُونَ أهلُ مِلَّتَينِ لا يتوارَثانِ ولستُ أنَا وأبِي مِنْ أهلِ مِلَّةٍ واحدة ؟!
أم أنتُم أعلَمُ بِخُصُوصِ القُرآنِ وعُمُومِهِ مِنْ أبِي وابْنِ عَمِّي ؟
فدُونَكَها مخطُومةً مرحُولَة - تَلقاكَ يومَ حَشرِك ؛
فنِعْمَ الحَكَمُ اللهُ والزَّعيمُ مُحمَّد ، والموعدُ القِيامة ،
وعِندَ السّاعةِ يخسَرُ المُبْطِلُون ، ولا ينفَعُكُم إذْ تَندَمُون ؛
{لِكُلِّ نَبَإٍ مُستقَرٌّ ..
وسوفَ تعلمُون}{مَنْ يأتِيهِ عذابٌ يُخزِيهِ ويَحِلُّ عليهِ عذابٌ مقِيم})) ..


ثُمَّ رَمَتْ بِطَرْفِها نحوَ الأنصارِ ؛ فقالت عليها السَّلام :

((يا مَعاشِرَ الفِتْيَة ، وأعضادَ المِلَّةِ وأنصارَ الإسلام ..
ما هذه الغَمِيزَةُ فِي حَقِّي ، والسِّنَةُ عن ظُلامَتِي ؟
أمَا كانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ - أبِي يقُول :
((المَرْءُ يُحفَظُ فِي وُلْدِه)) ؟
سَرْعانَ ما أحْدَثْتُم ، وعَجْلانَ ذا إهالةً ؛
ولكُم طاقةٌ بِما أُحاوِل ، وقُوّةٌ علَى ما أطلُبُ وأُزاوِل !
أتقُولُونَ ماتَ مُحمَّدٌ صَلَّى اللهُ علَيهِ وآلِه ؟!
فخَطْبٌ جلِيلٌ اسْتوسَعَ وَهْيُه ، واسْتنهَرَ فَتْقُه ، وانفتَقَ رَتْقُه ،
واظْلَمَّتِ الأرْضُ لِغَيبتِه ، وكُسِفَتِ النُّجُومُ لِمُصِيبَتِه ،
وأكْدَتِ الآمالُ ، وخَشَعَتِ الجِبال ،
وأُضِيعَ الحَرِيمُ ، وأُزِيلَتِ الحُرْمةُ عِندَ مَماتِه ..
فتِلكَ واللهِ النّازِلَةُ الكُبْرَى ، والمُصِيبةُ العُظْمَى ؛
لا مِثلُها نازلة ٌ ، ولا بائقةٌ عاجِلَة -
أعْلَنَ بِها كِتابُ اللهِ جَلَّ ثَناؤهُ فِي أفنِيَتِكُم ، وفِي مَمْساكُم ومُصْبَحِكُم -
هِتافًا وصُراخا ، وتِلاوَةً وألحانا ..
ولَقَبْلَهُ ما حَلَّ بِأنبِياءِ اللهِ ورُسُلِه - حُكْمٌ فَصْلٌ وقَضاءٌ حَتْم ؛
{وما مُحمَّدٌ إلّا رَسُولٌ قد خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُل .. أفَئِنْ ماتَ أو قُتِلَ انقَلَبْتُم علَى أعقابِكُم ؟!
ومَنْ ينقلِبْ علَى عَقِبَيْهِ فلنْ يَضُرَّ اللهَ شَيئا ،
وسيَجْزِي اللهُ الشّاكِرِين} ..
أَيْهًا بَنِي قَيْلَةَ !
أؤُهْضَمُ تُراثَ أبِيَهْ ؛ وأنتُم بِمَرْأًى مِنِّي ومَسْمَع ، ومُبْتدَإٍ ومَجْمَع ؟!
تَلْبَسُكُمُ الدَّعوة ، وتَشْمُلُكُمُ الخَبْرَة ،
وأنتُم ذَوُو العَدَدِ والعُدَّة ، والأداةِ والقُوَّة ،
وعِندَكُمُ السِّلاحُ والجُنَّة ؛
تُوافِيكُمُ الدَّعوَةُ فلا تُجِيبُون ،وتأتِيكُمُ الصَّرْخةُ فلا تُغِيثُون ،
وأنتُم مَوصُوفُونَ بِالكِفاح ، مَعرُوفُونَ بِالخَيرِ والصَّلاح ،
والنُّجَبَةُ الَّتِي انتُجِبَت ، والخِيَرَةُ الَّتِي اخْتِيرَت ،
قاتلْتُمُ العَرَب ، وتحمَّلْتُمُ الكَدَّ والتَّعَب ،
وناطحْتُمُ الأُمَم ، ووكافحْتُمُ البُهَم ،
فلا نبْرَحُ أو تَبْرَحُون ، نأمُرُكُمْ فتأتمِرُون ..
حتَّى دارَت بِنا رَحَى الإسلام ، ودَرَّ حَلَبُ الأيّام ،
وخضَعَت نُعَرَةُ الشِّرْك ، وسَكَنَت فَورَةُ الإفْك ،
وخَمَدَت نِيرانُ الكُفْر ، وهَدَأَت دَعْوَةُ الهَرْج ،
واستوسقَ نِظامُ الدِّين ..
فأنَّى جُرْتُم بعدَ البَيان ، وأسرَرْتُم بعدَ الإعلان ،
ونكصْتُم بعدَ الإقدامِ وأشرَكتُم بعدَ الإيمان ؟
{ألا تُقاتِلُونَ قومًا نكثُوا أيمانَهُم ، وهَمُّوا بِإخراجِ الرَّسُول ؟
وهُم بدَؤُوكُم أوَّلَ مَرَّةٍ - أتَخْشَونَهُم ؟!
فاللهُ أحَقُّ أَنْ تَخْشَوهُ إنْ كُنتُم مُؤمِنِين} ..
ألا وقد أرَى أَنْ قد أخْلَدْتُم إلَى الخَفْض ، وأبْعدتُم مَنْ هُوَ أحَقُّ بالبَسْطِ والقَبْض ،
وخَلَوْتُم بِالدَّعَة ، ونَجَوْتُم مِنَ الضِّيقِ بِالسَّعَة ؛
فمَجَجْتُم ما وَعَيْتُم ، ودَسَعْتُمُ الَّذِي تسوَّغْتُم ..
{إنْ تكفُرُوا أنتُم ومَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا فإنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حمِيد} ..
ألا وقد قُلتُ ما قُلتُ -
علَى مَعرِفَةٍ مِنِّي بِالخَذْلَةِ الَّتِي خامَرَتْكُم ، والغَدْرَةِ الَّتِي استشعَرَتْها قُلُوبُكُم ؛
ولكِنَّها فَيضَةُ النَّفْسِ ، ونَفثَةُ الغَيظ ،وخَوَرُ القَناةِ ، وبَثَّةُ الصُّدُور ، وتَقْدِمَةُ الحُجَّة ..
فدُونَكُمُوها .. فاحتقِبُوها دَبِرَةَ الظَّهْر ، نَقِبَةَ الخُفّ ، باقِيَةَ العار ، مَوسُومَةً بِغَضَبِ اللهِ وشَنارِ الأبَد ،
مَوصُولَةً بِنارِ اللهِ المُوقَدَة - الَّتِي تَطَّلِعُ علَى الأفْئدَة ..
فبِعَينِ اللهِ ما تفعلُون ،
{وسيعلمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أيَّ مُنقلَبٍ ينقلِبُون} ..
وأنَا ابْنَةُ نَذيرٍ {لكُم بينَ يَدَيْ عذابٍ شديد 46}/سبأ ؛
فـ{اعْمَلُوا ..... إنّا عامِلُون 121
وانتظِرُوا إنّا مُنتظِرُون 122}
/هُود)) .